الحكايات الشعبية..تراث تذروه الرياح

الحكاية الشعبية هي ذلك الأدب الذي لم يدون على صفحات الورق ولا في أسفار ومجلدات الكتب ولم يعرف حتى قائله أو مبتكره في المجتمع البشري عبر العصور إلا نادرا، بل ظلت نصوصه تحفر تاريخها في أذهان العامة عن طريق الرواية والتداول والتلقين.. يعد هذا اللون من الأدب وعاء يدون فيه المجتمع تجاربه في الحياة بواسطة الرواية وعن طريق قوة الابتكار لدى المخيلة الشعبية، كما ينم عن شخصية المجتمع ومدى قوة إبداعه وإنتاجه الفكري.
وفي المجتمع الموريتاني عرفت الحكايات الشعبية شيوعا واسعا، حيث تحتفظ الذاكرة الشعبية الموريتانية بالكثير من الحكايات والأمثال والألغاز، فضلا عن الأحاجي التي نسجتها عقول أبناء المجتمع قديما، تضمنت العديد من التجارب المفيدة و الأمثال الرائعة التي شكلت نبراسا يستنار به في مدلهمات الامور لمن تدبر مغزى تلك الحكايات وما ترمز إليه من حكم شتى، مقتبسة من واقع الحياة والناس، وتنضح به هذه القصص والحكايات من حكم والمواعظ تأخذ أحيانا طابع الفكاهة والتسلية، لكن هذا الموروث الشعبي أصبح اليوم يشكو الاعمال وضعف التداول خصوصا في عالم المدينة، الذي أصبحت فيه وسائل الاتصال الحديثة وما توفره من برامج ووسائل ترفيه يشغل المجتمع عن تذكر مثل هذا التراث وتداوله الامر الذي يساعد على الحفاظ عليه والإبقاء على محفوظاته من ألغاز وأحاج حية في ذاكرة الأجيال الناشئة واللاحقة.
بين الحكمة والفكاهة..
هذه الحكايات لم تقتصر على التسلية والترويح فحسب وإن كانت تلك إحدى أغراض الحكاية الشعبية الأبرز، فقد شملت الحكايات الشعبية في المجتمع الموريتاني قضايا مختلفة في مجال الأخلاق والعادات، مثل حكايات الكرم والبخل والغدر والخيانة، والكيد والخداع، ومما يميز الحكاية في المجتمع الموريتانية عن غيرها هو تقاطعها في الكثير من موضوعاتها مع التوجيهات الإسلامية والهدي النبوي الشريف مما يعكس تأثر تلك الحكايات بالثقافة الإسلامية للمجتمع مثل معالجة تلك الحكايات للآثار السيئة الناجمة عن سوء النية وفساد الضمير في مقابل الإيجابيات الناجمة عن حسنها وحب الخير للناس، فقد كانت حكاية" الكريم مع اللئيم" نموجا على العاقبة الحميدة لصاحب القلب السليم ومحب الخير للجميع، كما أن سوء الحظ والعاقبة السيئة ستكون من نصيب سيئ الخلق ومريض القلب والضمير، " والتي كان مؤداها أن كريما كان يحسن إلى لئيم أيما إحسان ثم غدر اللئيم بالكريم حين ضاقت به الحال في بعض الأزمان لتنقلب بعد ذالك الأمور على اللئيم بالشر وعلى الكريم بالخير ثم تأتي طوائح الزمن ليلتق اللئيم بالكريم في أسوء حال فيعطف الكريم عليه ويحسن إليه رغم الغدر الذي قابل به اللئيم الكريم من قبل، وكأن الحكاية تريد أن تجسد للمجتمع بشكل عملي الأثر القائل من حفر لأخيه المسلم بئرا وقع فيه،ولا تقتصر هذه الحكايات على النثر فحسب بل تتضمن هذه الحكايات أيضا مقاطع شعرية باللغة الدارجية، مثل القولة التي يروونها على لسان "الغول" الذي يضرب به المثل في طول العمر حين خدعته سيدة تقول القصة إنه اختطفها وذالك حين بدأت تتخوف له من المصير المجهول الذي ستؤول إليه بعد موته ليرد عليها هو بقوله" ألم تسمعي القولة المأثورة "دون ال دون روح القول" فردت عليه قائلة ما اللذي دونها فشرد عليها كيف يتم موته فحكت ذلك لأقاربها ففعلوا ما أدلى به الغول فمات هو من حينه فلما دنى أجله تذكر أن المرأة كانت تريد معرفة طريقة قتله، وأنه أفشى سرا ما كان ينبغي إفشاؤه فأنشد قائلا ( رديْت سر اعْل قر وابْكيت فراي نادم ... وشوي يل احيان رب ما تليت انرد سر اعل ولادم) وكأن المثل يتمثل قول الشاعر في كتم السر عن الآخرين، (إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه ... فصدر الذي يستودع السر أضيقوا).
ذاكرة تختزل ..
وبما أن الوعاء الحافظ للحكاية للشعبية هو الرواية والتلقين كان المجتمع يعتمد نشرها وبثها في أذهان الناشئة من أجل بقائها وحفظها، فتجد الجماعة تنعش بها سمرها كما تجد الجدة تحدث بها الأبناء وتسليهم بقصصها حتى يغطوا في النوم، أما اليوم فقد غابت هذه الطرق من واقع حياة المجمع حيث أصبح تداولها يقتصر على البدو الرحل في مجتمعاتهم حين يجتمعون للتحدث ويستذكرون بعضا من قصص الماضي وحياة الأوائل دون أن تكون هناك عناية كبيرة للموضوع بهدف ترقى إلى النشر والحفظ في أذهان الصغار من المجتمع الذين لم يسمعوا كثيرا عن مثل هذا الأدب الذي لم يتعرف عليه إلا عن طريقة الرواية والتلقين وليس عن طريق القراءة والكتابة.
معاول العولمة..
أما في المدينة فقد انمحت آثار الحكاية الشعبية كليا من واقع الناس وأحاديث مجالسهم خيث انشغلوا بالاخبار ومستجدات العصر وما تقذفه العولمة فلا تكاد تسمع لهذه الحكايات بين ثنايا الحديث في مجتمع المدينة ذكرا ولا همسا، إلا من باب الصدفة والندرة، لكنك قد تسمع المثل الصيني أوغيره من الأمثال المتداولة في المجتمعات عامة على مستوى الكرة الأرضية، فالكبار عزفوا عن التحدث إلى الصغار بهذه الحكايات وتسليتهم بها جراء الانشغالات اليومية وهموم الحياة والعصر، كما أن الصغار بدورهم وجدوا في ما يقدمه التلفاز من برامج وألعاب، تسلية لهم بعد أن كانت الحكايات وألالعاب التقليدية جزء لا يتزأ من حياة اللهو واللعب في عالم الطفولة، حيث حلت الرسوم المتحركة محل الحكاية والأجاجي الشعبية، وتندثر ألعاب الحجارة والقوة العضلية أمام ألعاب الكمبيوتر والمحمول ، فهل تعود الرواية الشعبية والأقصوصة الشعبية إلى سابق عهدها ويتداركها المجتمع قبل أن تنمحي تماما من أذهان من بقي يحملها من أفراد المجتمع،؟ أم أنها بلغت مرحلة من الرسوخ في الأذهان لا تنمحي مهما كانت قوة معاول ورياح العولمة؟
الخليفة بن محمد محمود

مشكووووووووو ع الموضووووووع

الله يعطيك العافيه

مشكور اخوي على المرور المنور والمعطر لصفحة
لــكـ خــالـــًص الاحــــتــــرامــ و الـــتـــقــديــر
دمـــت بـــوافــــر الـــصـــحــة و الــمــحــبة
ماجد المطرفي

قصص روعة يعطيك العافية

مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه
قصة رائعة
تقبل تحياتي
حربي