الشعر الجميل يتوهج في الأغنية توهج البريق في الألماسة

الشعر المُغنَّى وحكاية أخرى ..

الشعر الجميل يتوهج في الأغنية توهج البريق في الألماسة


أصاله نصري

للأغنية ثلاثة أركان: الكلمات واللحن والصوت فإذا تكاملت هذه الأركان وخرجت الأغنية الرائعة إلى الوجود فإننا ننسى تلك الأركان ونصبح أمام الأغنية مباشرةً، تصبح الأغنية ذات شخصية تامة مستقلة فلا هي الشعر ولا الصوت ولا اللحن ولكنها مجموعة ذلك، يتمازج الشعر مع الصوت واللحن حتى ينصهر الجميع كسبيكة الذهب، إنك لا تستطيع الفصل بين الوردة وعطرها، ولا تستطيع فصل صوت المطربة عن شعرها، إن الأغنية الفذة تشبه الألماسة النادرة، والشعر يتوهج فيها.. من جميع جهاتها..
حين تشدو فيروز:
يبكي ويضحك لا حزناً ولا فرحاً
كعاشق خط سطراً في الهوى ومحا
من بسمة النجم همس في قصائده
ومن مخالسة الظبي الذي سنحا
قلب تمرس باللذات وهو فتى
كبرعم لمسته الريح فانفتحا
ماللأقاحية السمراء قد صرفت
عنا هواها.. أرق الحسن ما سمحا
لو كنت تدرين ما ألقاه من شجن
لكنت أرفق من آسى ومن صفحا
غداة لوَّحت بالآمال باسمة
لأن الذي ثار وانقاد الذي جمحا
فالروض مهما زهت قفر إذا حرمت
من جانح رف أو من صادح صدحاً
إنني أكتب هذه الكلمات الآن من فم فيروز مباشرة ، أكتبها وأنا أسمع فيروز تغني بها، إنها لم تعد شعراً.. صارت سحراً.. لم تعد شعراً فقط. صارت أغنية جذلي تنتفض بالجمال وتمور بالحياة. وهكذا كل شعرٍ رائع يغني به صوت رائع.. يصبح كالألماس وبريقه.. كالبدر ونوره.. كالورد وعطوره.. أشياء تصدر من بعضها ويمتزج همسها في همسها وعطرها في سحرها فلا تعود مجرد قصيدة تصبح قطعة من الجمال فريدة نسعد بها على مر الزمان..
***
ومن القصائد الجميلة التي تمازج فيها الشعر المبدع بالصوت الأروع قصيدة (ثورة الشك) التي أبدعها الأمير عبداللّه الفيصل وشدت بها كوكب الشرق أم كلثوم حتى صارت تمثالاً لجمال الشعر المغنى:
أكاد أشك في نفسي لأني
أكاد أشك فيك وأنت مني
يقول الناس إنك خنت عهدي
ولم تحفظ هواي ولم تصني
وأنت مناي أجمعها مشت بي
إليك خطى الشباب المطمئن
يكذب فيك كل الناس قلبي
وتسمع فيك كل الناس أذني
وكم طافت عليَّ ظلال شكٍ
أقضت مضجعي واستعبدتني
كأني طاف بي ركب الليالي
يحدث عنك في الدنيا وعني
على أني أغالط فيك سمعي
وتبصر فيك غير الشك عيني
وما أنا بالمصدق فيك قولاً
ولكني شقيت بحسن ظني
وبي مما يساورني كثير
من الشجن المؤرق لا تدعني
تعذب في لهيب الشك روحي
وتشقى بالظنون وبالتمني
أجبني إذ سألتك: هل صحيح
حديث الناس خنت ألم تخني؟

(الماستان وبريق واحد)
وقد يغني مطربان بشعر واحد.. ويقدم كل مطرب ألماسة مختلفة في الحجم والشكل.. ولكن بريق الشعر يظل يتوهج في الألماستين بألوانٍ مختلفة.. ولكنها مبهجة.. واختلافها بقدر اختلاف الصوتين..
طلال مداح ومحمد عبده غنى كل منهما بصوته الجميل.. والمتميز عن الآخر.. قصيدة (ياحبيبي حكمت) للشاعر الشعبي المبدع (منصور المفقاعي) فبدا وهج القصيدة يتلون بمساحة كل صوت.. وهي ألوان متوهجة بجمال وإن حصل اختلاف.
«ياحبيبي حكمت وخل حكمك عدال
سوبي ما تشا وأفعل على ما تريد
اللّه اللي عطاك وصورك بالجمال
فارق بالبها والحسن فرقٍ بعيد
من تجي رأس ماله مايبي رأس مال
ان حيا جنته وأن مات يكتب شهيد
ليت من ينهبه ياسعود ذاك الغزال
ثم يزبن عليهم مثل زبنة رشيد
آه من فات عمره ما أهتني بالوصال
راح عمري بلاش وعشت عيشة شريد
جل من صورك وكملك بالكمال
اشهد اللي ينالك ذاك حظه سعيد
ياحسين البها ما عاد فيَّ احتمال
باح صبري وحبك كل يوم يزيد
ساهراتٍ عيوني فيك طول الليال
باكي واتذلل كود فيكم يفيد
إن إيحاء الشعر الجميل لا يختلف باختلاف المغني فقط.. بل واللحن أيضاً.. فقد غناها طلال مرتين: مرة باللحن السامري، وأخرى بلحنٍ آخر، وكان الأخير أجمل!
إننا حين نتحدث عن الشعر الذي يتوهج البريق في الألماس الأصيل، إنما نتحدث عن الأغنية المتكاملة الأركان من إبداع شعري إلى صوت رائع ولحن محلق. فإذا اختل ركن منها ضاع البريق إلى حد كبير، بقدر النقص الحاصل، فبعض الأغاني كبريق الكريستال، وبعضها الآخر ينحدر إلى مستوى الزجاج الرخيص جداً، وهناك ما هو أسوأ: الفحم المشتعل بأسوأ الكلمات وأنكر الأصوات فلا يصدر منه إلا دخان يكتم الأنفاس..
ولو غنى صوت منكر بشعر رائع في لحن مشوه فكأنما الشعر سجين كعقد أصيل في جيد امرأة شوهاء المنظر شوهاء الأخلاق..
ومن الأصوات الرائعة الحسن ما تفضح الشعر العادي إذا ترنمت به، فهي فوق مستواه، كأنما هو عقد هزيل على جيد ملكة جمال..
ومما يريح أن الطيور على أشكالها تقع، فالصوت القبيح يبحث عن الشعر القبيح بحثاً كما ينعق الغراب إذا رأى الجثث وبقايا العظام، أما الصوت الجميل فلا يرضى إلا بأجمل الأشعار في الغالب العام...
والجميل إلى الجميل يميل..
ومن الشعر ذي الوهج الدافئ الأصيل كلمات لسعاد صباح شدت بها نجاة بصوتها المعطر برائحة الأنوثة:
(لا تنتقد خجلي الشديد)!
«لا تنتقد خجلي الشديد فإنني
بسيطة جداً.. وأنت خبير
يا سيد الكلمات هب لي فرصةً
حتى يذاكر درسه العصفور
خذني بكل بساطتي وطفولتي
أنا لم أزل أحبو وأنت قدير»
ثم تصدح نجاة ليلهث بريق الألماس:
«من أين تأتي بالفصاحة كلها
وأنا يتوه على فمي التعبير؟
أنا في الهوى لا حول لي أو قوة
إن المحب بطبعه مكسور
يا هادئ الأعصاب إنك ثابت
وأنا على ذاتي أدور.. أدور
الأرض تحتي دائماً محروقة
والأرض تحتك مخمل وحرير
فرق كبير بيننا يا سيدي
فأنا محافظة وأنت جسور
وأنا مقيدة.. وأنت تطير
وأنا مجهولة جداً.. وأنت شهير»
إنها ليست مجرد كلمات.. إنها عقد جيد حسناء ..يظمأ البريق في الألماس للصوت ويظمأ الصوت لبريق الألماس في الكلمات..
وإذا كانت هذه الأغنية تنساب بخفر الأنوثة كجدول رقراق ولكنه براق، فإن أغنيات أخرى نجد فيها جلالاً في الكلمات والصوت والألحان، في المعنى والمبنى كما يقول الأقدمون مثل أغنية (أصون كرامتي) لأم كلثوم:
«أصون كرامتي من قبل حبي
فإن النفس عندي فوق قلبي
رضيت هوانها فيما تقاسي
وما إذلالها في الحب دأبي
فما هانت لغيرك في هواها
ولا مالت لغيرك في التصبي
ولكني أردت هوىِ عفيفاً
ورمت لك الهنا في ظل قربي
تبادلني الغرام على وفاءٍ
وأسقيك الرضا من كأس حبي
ولما أيقنت روحي بشرٍ
وكان الغدر في عينيك ينبي
هجرتك والأسى يدمي فؤادي
وصنت كرامتي من قبل حبي
إن من يسمع صوت أم كلثوم وهي ترفع البيت الأخير والذي قبله.. ترفعه في شموخ أشم.. يدرك أن الشعر المغنى له حكاية أخرى..لم يعد مجرد شعر بل له حكايات بعدد المغنين والمغنيات.. كأن الشعر هنا سيدة حسناء عاطلة من الزينة.. الموسيقى والألحان تكسو تلك السيدة بأجمل الفساتين.. والصوت الجميل إذا تلألأ بالشعر يجعله يموج بالبريق..
كأنما زين جيد الحسناء بعقود الألماس.. قد تكون حكاية الشعر مع الأغنية حكاية عاشقة تحتوي معشوقها بقوة:
إغضب كما تشاء
واجرح أحاسيسي كما تشاء
حطم أواني الزهر والمرايا
هدد بحب امرأة سوايا
فكل ما تفعله سواء
وكل ما تقوله سواء
فأنت كالأطفال يا حبيبي
نحبهم مهما لنا أساءوا
إغضب.. فأنت رائع حقاً متى تثور!
إغضب.. فلولا الموج ما تكونت بحور!
كن عاصفاً كن ممطراَ
فإن قلبي دائماً غفور
إغضب فلن أجيب بالتحدي
فأنت طفل عابث يملؤه الغرور
وكيف من صغارها تنتقم الطيور»
إن ما يحكيه الشعر يختلف حسب المغني إن كون الشعر له حكاية أخرى إذا غني أمراً مفروغاً منه، لأن الأغنية شخصية متكاملة تشمل الشعر نفسه ومعه صدح الموسيقى وتغريد الصوت الجميل، ولكن مجال التفكير في أن إيحاء الشعر يختلف حسب الصوت، شعر نزار السابق غنته أصالة، لو غنته نجاة لكان هناك إيحاء مختلف قطعاً، رغم أن الشعر واحد، لاختلاف نغمة الصوت وطريقة الإحساس.. بالمقابل يختلف الإيحاء لو غنت أصالة بدل نجاة:
حبيبتي؟! هل أنا حقاِ حبيبته
وهل أصدق بعد الهجر دعواه
أما أنتهت من سنين قصتي معه
ألم تمت كخيوط الشمس ذاكره؟
أما كسرنا كؤوس الحب من زمن
فكيف نبكي على كأس كسرناه؟
رباه أشياؤه الصغرى تعذبني
فكيف أنجو من الأشياء رباه؟
مالي أحدق في المرآة أسألها
بأي ثوب من الأثواب ألقاه؟!

مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه

موضوع جميل ...

مشكووووور اخوي الشقاوي على الاضافة الرائعة ..

تقبل مروري و لك التقدير ...

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة اخواني عزوتي

مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه

أخوي شاكر مرورك الجميل وتعليقاتك الرائعة دمت بود
أخـــــــــــــوك
ألشقـــاوي

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبن ضبعان

موضوع جميل ...

مشكووووور اخوي الشقاوي على الاضافة الرائعة ..

تقبل مروري و لك التقدير ...

أخوي شاكر مرورك الجميل وتعليقاتك الرائعة دمت بود
أخـــــــــــــوك
ألشقـــاوي