الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد
فهذه مقالات صغيرة كانت تجول برأسي فكان لابد من أن أسطرها وهاأنا أضعها بين
أيديكم راجياً من الله أن تحوز على رضاكم
الكتابة والتأليف
في الماضي عانيت من قلة الكتابة والتأليف حيث كنت أقحم نفسي على كتابة ما يتسنى لي من أمور الحياة فأجد أن الأفكار قد تبخرت والترتيب قد تبعثر والصياغة قد شرد مني لهذا كنت أعاني الأمرين لكتابة مقالة صغيرة وربما كنت منهمكاً في عملي أو كنت أسامر النجوم وحدي ليلاً فيرسل الله لي ما يكفي لكتابة مقالات عدة فالأفكار وكل ما يتعلق بها يأتيني سيلاً هادراً ولكن كثيراً ما كنت أؤجلها فيصبح كرماد اشتد به الريح في يومٍ عاصف ولما قرأت في سير العلماء الجهابذة وجدت الدفتر والقلم لا يفارقهم فعرفت أنه لابد التقييد حالاً.
حديث النفس وحديث العقل
يقع في هذا الزمن الاشتباه بين حديث النفس وحديث العقل فنسمع كثيرا مقولة ( لا تفكر كثيرا) بزعمهم أنه سوف يصاب بنوع من الوسوسة أو العقد النفسية ولا يعلم هؤلاء المساكين أن التفكير هو حديث العقل وأن الله سبحانه وتعالى رغب في التفكر قال تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ .
ولو علم الناس مالفوائد في التفكر من إدراك للأمور التي لا يدركها البصر واستباق الأحداث من خلال التحليل المنطقي ولو استخدم الناس عقولهم لوجدت أن كل أم لا تلد إلا حكيما.
ويجدر الذكر هنا أن التفكر يكون في البديهيات والعادات وقياس أفعال البشر أما تفكر العاقل بأفعال الله فإنه سوف يرى أشياء لا يقتضيها العقل كالمرض والفقر وتسلط الأعداء على المسلمين وهنا يجب أن يعلم الله حكيم خبير وأن حكمته خافية عليه ويجب عليه التسليم والإذعان وإلا هلك.
الدين والدنيا
اعلم أن الدهر لم يكترث للذين رضوا بالدون من الدنيا بل ينظر إلى من رجله في الثرى وهمته فوق الثريا. واعلم أن الله يجعل الدنيا تأتي لعبده المؤمن منقادة طائعة بين قدميه إذا هو قدم دينه على دنياه وجعل الخوف من الله بين عينيه في السر والعلن منهجه وطريقه، بالإضافة إلى عمله الدءوب والجد والاجتهاد.
دستور الرجال
هو الذي إذا أعطى أجزل وإذا وعد أوفى، وإذا اؤتمن سراً جعله في أقصى أحشائه لا يبوح به ما دامت السماوات والأرض، طالباً للعلم من المهد إلى اللحد، متوكلاً على الله كتوكل الطير في غداته، محسناً إلى الناس غير منتظر الشكر من أحد بشوشاً هشاً بشاً، متفائلا يصنع من الليمون شراباً حلواً، يرى الحياة بكامل ألوانها صابراً غير ساخط على أقدار الله منتظراً لفرج الله القريب وبالصبر تنقلب المحن إلى منح والأتراح إلى أفراح، شجاعاً لا وجلا وخائفاً، كاظماً للغيظ حليماً مسامح متسامح
حاسماً لعمله في الحال لا يؤجله للغد، متفكراً بأنعم الله شاكراً لها فإذا هي تغمره من مشاش رأسه إلى أخمص قدميه، غير مستحضرٍ لألم الماضي رامياً به في غيابة جب النسيان فيطويه ولا يرويه، ينزل فقره وحاجته ومشاكله إلى الله فيشكو بثهُ وحزنه إلى الله ولا يشكو غيره فيزداد هماً إلى همه وغماً إلى غمه وفقراً إلى فقره، جاعلاً يومه كآخر يومٍ في حياته صارفاً إبداعه وتركيزه ليومه فيقدم صلاةً خاشعة وعملاً خيراً، متهيئ للرحيل، يعلم أين معاده، فيتزود من زاده، تاركاً المستقبل حتى يأتي عاملاً بالأسباب فلا يكتوي بالتوقعات المزعجة، مستغلاً نعمة الصحة و الفراغ،
ذابحاً الملل بسكين العمل، غير متقمص لشخصية غيره لأنه قتل لشخصيته، ملماً لكثير من العلوم والفنون ليكون على بينة، يترفق في أموره وعلى من تحت يديه، ذاكراً لله في العشي والإبكار لتعم السكينة روحه، إذا أعرضت عنه الدنيا تركها وشأنها، متعزياً بأهل البلاء والشقاء حامداً الله أن أسبغ عليه نِعمَهُ ظاهرةَ وباطنة
راضيا بما قسم الله له في السراء والضراء، مبدعاً في تطبيق فن السرور والتأمل، يُعمِل عقله فلا يدع شاردة ولا واردة إلا ويضع لها وزنها، ضابطاً لعواطفه، منتظرا لفرج الله له مكثراً من الاستغفار، يعفو ويصفح عمن أساء إليه، لا يراقب تصرفات الناس لأنه لو لم يفعل ذلك سوف ينشغل عن عيوبه لذا يترك المخلوق للخالق، قانعاً بما آتاه الله هادئاً إذا ادلهمت به الخطوب، حسن الخلق، غير متعلق بغير الله، لا يبالي إلى المرجفين في الأرض، قارئأ للجمال في الكون وفي الأنفس والثمرات،
يؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة، مُعتَنِياً بظاهره وباطنه، صاحب إرادة فولاذية وهمة عالية يصل بهما بإذن الله إلى القمة، يحذر من العشق لأنه هم واصل وكدر مستمر، غاضاً الطرف، يرمي هفوات الآخرين خلفهُ، صاحب ترقب ونظر وتأمل وحذر، يعيد النظر، يقدر خطواته حتى لا يقع، ينظر للعواقب فلا يقدم على شيء إلا ويحسب حسابه، صاحب عزم وإقدام ،يرى الدنيا جميلاً، أرفع وأطهر من أن يحسد الآخرين، يخاطب الناس بكلمة الوعي، متأملا قدرة المولى عز و جل، لا يكون صاحب تردد لأنه فسادُُ ُبالرأي، يكون كجبل أحُد في الثبات إذا كشر الدهر عن أنيابه،
قارئاً للتاريخ، مجدداً لحياته، مجتنباً لسوء الظن، محافظاً على تكبيرة الإحرام، مخلص التوحيد لربه، كريماً جواداً ضاحك المحيا، يلزم الموهبة التي وهبها الله إياه، يبدأ بالسلام ويحيي بالبسمة، لا تحطمه التوافه، صاحب أفق يغيب عن الناظر، لا يبخس الناس أشياءهم، ممسكاً بلجام لسانه لأنه يعلم لو زل لسانه ذل، مضرب المثل في رد المعروف، يرى الحياة قصيرة فلا يقصرها أكثر فلا يحزن ولا يتكدر ولا يكسل، مقتنصاً للفرص آخذها بقوة، لا يجنح إلى كل ناعق وناهق.